أكثر من نصف دول الشرق الأوسط تعاني من ندرة المياه، وهو رقم معرض للزيادة في ظل التغيرات المناخية، فهل نشهد قريبا مهاجري مياه؟
إعداد: فاطمة بني أحمد – الأردن
أطلقت الحكومة المصرية مبادرة تعنى بالأمن المائي، خلال مؤتمر الأطراف المعني بالمناخ “كوب 27” بمدينة شرم الشيخ، بهدف تعزيز التعاون بين الأطراف المختلفة حول قضايا المياه، وربط مشاكل المياه بمشاكل المناخ.
تركز المبادرة على دعم الدول الإفريقية، لذا حملت عنوان العمل من أجل التكيف فى قطاع المياه والقدرة على الصمود (AWARE) ، وبالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ، نظمت الحكومة عدة فعاليات، ومحاضرات داخل الجناح المخصص للمياه في المؤتمر الذي أقيم في نوفمبر الماضي.
وفي ملف الأمن المائي الذي طرح للمرة الأولى في نسخة هذا العام، شاركت عدة جهات معنية بهذا القطاع ومنها البنك الدولي في تسليط الضوء على الأزمة، وما يتصل بها من أمن غذائي و موجات هجرة، فقد أصدر البنك الدولي في الربع الأخير من عام 2021 كتاباً بعنوان “بين المد والجزر” للتحذير من موجات هجرة مترتبة على أزمة المياه.
وأورد الكتاب أن كل انخفاض في المياه، يقابله ارتفاع في موجات الهجرة بمقدار 10 في المئة، وأن الحروب قادت إلى تدمير البنية التحتية في مناطق النزاعات وتسببت في الحد من وصول المياه إلى 70 في المئة من السكان، وذلك بالرغم من توافرها كما هو الحال في اليمن، فالدمار الحادث بسبب الحرب المستمرة على مدار ست سنوات، أثر على البنى التحتية بما في ذلك السدود والخزانات وأنابيب المياه العذبة.
وتعرف “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” المهاجرين بأنهم أشخاص اختاروا الانتقال لتحسين حياتهم والبحث عن فرصة عمل أو تعليم أو للمّ شمل العائلة أو أسباب أخرى.
وترى نميرة نجم، مديرة المرصد الإفريقي للهجرة بالمغرب أن الهجرة مرتبطة بقوة بالتغيرات المناخية وأزمات المياه حسب قولها في كوب 27، بأنه يجب ألا نحيد عن هدف تخفيف معاناة الشعوب وأن نرى الوجه الإنساني للأزمة على أجندة القمة.
وخلال الجلسة التي نظمها المركز العالمي للتنقل من أجل المناخ التابع لجامعة كولومبيا بنيويورك وشريك الأمم المتحدة أكدت نجم على مسؤولية الإعلام في رفع الوعي بأزمة الهجرة المرتبطة بالمناخ ومنها الجفاف، ومسؤولية الباحثين عن التفرقة بين أنواع الهجرة: “حتى الآن تشير التقارير إلى أن الهجرة لا تحدث فقط بسبب التغيرات المناخية، ولكن أيضا لأسباب عدة منها النزاعات الداخلية، والأوضاع الاقتصادية المتردية؛ وبالتالي يصعب تحديد الأعداد بدقة التي تهاجر بسبب التغيرات المناخية فقط”.
أزمات ونزاعات
تعرّف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “فاو” الأمن المائي بأنه: توفر المياه بشكل يمكن الاعتماد عليه بكمية وجودة مقبولتين، لاستخدامهما في الإنتاج والأنشطة المعيشية والصحة.
تؤكد المهندسة ريم الحدادين الباحثة في فريق التنمية المستدامة في معهد WANA، في حديث خاص أن العوامل الديموغرافية مثل زيادة عدد السكان واللاجئين في منطقة الشرق الأوسط ساهمت في زيادة التحديات المائية، والخلافات والتجاذبات التي اندلعت بين الدول التي تملك موارد مائية مشتركة كالأنهار.
ويورد الباحثون في موقع فاناك الوضع المائي في العراق كمثال، فالنمو السكاني والتوسع الزراعي المكثف في دول الجوار: تركيا وسوريا وإيران، سيؤدي إلى زيادة الضغط على المياه التي تصل للعراق عبر نهري دجلة والفرات، وبالتالي خفض كمية المياه الواردة للدولة وتدهور نوعيتها بحلول عام 2035.
وعن أزمة المياه في المنطقة العربية، تذكر الدكتورة مجد النبر التي شاركت في دراسة أوردها البنك الدولي في كتاب “مد وجزر” في مقابلة خاصة أن “المنطقة واجهت عدة عوامل فاقمت ندرة المياه فيها، فتوالي سنوات الجفاف وقلة الاستفادة من مياه الأمطار في بعض المناطق زاد من الضغط على المياه الجوفية، مما أثر على ملوحة المياه وجودتها”.
وتابعت النبر التي تشغل منصب رئيسة قسم التنمية المستدامة في معهد WANA التابع للجمعية العلمية الملكية: ” تعد المياه واحدة من العوامل الدافعة للهجرة، فالأثر الذي تحدثه ندرة المياه على دخل الأفراد ووضعهم الاقتصادي، يدفع أصحاب المهن المعتمدة على توفر المياه لاتخاذ قرار الهجرة الداخلية”.
ويشير تقرير “اخفضوا الحرارة” للبنك الدولي الصادر عام 2013، أنه في حال ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين، سينخفض معدل سقوط الأمطار المتوقع بمعدل يتراوح ما بين 20 إلى 40 بالمئة، حيث يعد الشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثراً بتغير المناخ الذي ينعكس بشكل مباشر على ندرة المياه.
يرى مدير تنفيذ مبادرة “ندرة المياه” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الخاصة بمنظمة فاو، باسكوال ستيدوتو، أن بلدان المنطقة تصدرت الجهود المبذولة لتطوير الممارسات والمؤسسات لإدارة موارد المياه الشحيحة، ومع ذلك، أدت التشوهات في السياسات والمؤسسات في بعض البلدان إلى فشل أنظمة إدارة المياه، ويرى أنه متى ما بدأت النزاعات في التلاشي من المنطقة فإن مشكلة المياه ستصبح أولوية.
شدد ستيدوتو على أهمية العمل الجماعي بين القطاعات المختلفة داخل البلدان نفسها وأهمية الشراكات بين البلدان عبر الحدود، وعمل نظم لإدارة الموارد المائية وتقديم الخدمات بطريقة مستدامة وفعالة ومنصفة.
جهود وشراكات لحل أزمة المياه
أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” عام 2021 وتمت مناقشة العديد من الأهداف والالتزامات المرتبطة بالمبادرة على هامش مؤتمر الأطراف في مدينة شرم الشيخ، وكان من ضمن أهداف المبادرة، تَعهُّدُ السعودية بزراعة 50 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط وذلك لمواجهة التحديات البيئية التي من أبرزها ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الأمطار.
كما أطلقت الحكومة السعودية في عام 2019 برنامج قطرة، لتشجيع التغيير في السلوك الفردي للسكان من خلال زيادة الوعي بهذه المشكلة، حيث تهدف وزارة البيئة والمياه إلى خفض استهلاك المياه بحوالي 43 بالمئة بحلول عام 2030، كما باشرت العديد من الدول في المنطقة بمعالجة المياه المستخدمة وتحلية مياه البحر، حيث ذكرت إمارة أبو ظبي أنها قامت بتحلية نحو 983 مليون متر مكعب من المياه عام 2019.
وفي الإمارات العربية المتحدة، كشفت دائرة الطاقة في إمارة أبو ظبي أن إجمالي إنتاج المياه المعالجة بلغ 301 مليون متر مكعب في عام 2019، وهو جزء من خطة الدولة الهادفة إلى خفض استهلاك المياه وبناء محطات تحلية أكثر كفاءة، للحفاظ على الموارد.
وتسير العديد من الدول في الشرق الأوسط على نهج معالجة المياه حيث سجلت قطر والكويت من أعلى النسب في العالم عام 2017 في إعادة استخدام المياه المعالجة.
وتملك الأردن أعلى معدلات لإعادة استخدام ومعالجة مياه الصرف الصحي في العالم، كما يوجد ما لا يقل عن 26 محطة لمعالجة المياه في البلاد، بالإضافة إلى توجه الحكومة لإشراك القطاع الخاص لإنشاء محطات لمعالجة المياه مثل “شركة مياهنا”.
على نفس الخطى ساهمت مصر بوضع خطط لإشراك القطاع الخاص من ضمنها طرح صندوق مصر السيادي في أكتوبر عام 2021، مناقصات أمام شركات القطاع الخاص لإنشاء 17 محطة تحلية مياه جديدة تعمل بالطاقة الشمسية.
هذا التقرير نشر كجزء من مشاركة الكاتبة فى ورشة الصحافة العلمية ومن خلال مشروع “الصحافة والعلوم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ” ، وهو أحد مشروعات معهد جوته الممولة من قبل وزارة الخارجية الألمانية.
المصادر:
Leave A Comment