river pollution

أزمة تلوث الأنهار في لبنان وتداعياتها الخطيرة على الصحة العامة

كشفت دراسة  بعنوان “تلوث مياه الأنهار في لبنان: التحدي الأكثر استهانة به في مجال الصحة العامة في البلاد”  ُنشرت في عام 2024   في مجلة  Eastern Mediterranean Health Journal عن الحالة المزرية لتلوث الأنهار في لبنان وتأثيره العميق على الصحة العامة. حيث يتم تصريف 90% من مياه الصرف الصحي مباشرة إلى الأنهار دون معالجة، مما حول هذه المجاري المائية إلى خزانات ملوثة بمواد ضارة، بما في ذلك البكتيريا والمواد الكيميائية والجريان السطحي الزراعي. وتترتب على ذلك عواقب وخيمة، خاصةً أن 45% من الأراضي الزراعية في لبنان تعتمد على مياه الأنهار للري، ما يعني أن الملوثات الموجودة في هذه الأنهار تنتهي في الأغذية التي يستهلكها الناس.

أجرت  الدراسة  التي قادتها الدكتورة كارولا الشامية تحاليل لعشر  أنهار رئيسية في لبنان في يونيو 2023 وكشفت عن نتائج مقلقة. على سبيل المثال، أظهرت الدراسة أن 60% من الأنهار تحتوي على مستويات من بكتيريا  الإشريكية القولونية (Escherichia coli) تتجاوز بكثير الحدود الآمنة التي حددتها منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”. ولتوضيح ذلك، يجب أن تكون مستويات الإشريكية القولونية أقل من 126 وحدة تشكيل مستعمرات لكل 100 مللتر من الماء  لتُعتبر آمنة للري. ومع ذلك، سجلت أنهار مثل قاديشا والكبير مستويات تتجاوز 9000 وحدة ، أي ما يعادل 70 ضعف الحد الآمن. هذا التلوث خطير للغاية، لأن بكتيريا  إي كولاي قد تسبب التهابات معوية شديدة، إسهالًا، وحتى فشلًا كلويًا لدى البشر.

وبالمثل، أظهرت  هذه الدراسة الصادرة عن قسم الطب الباطني في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت أن 40% من الأنهار تحتوي على مستويات غير آمنة من بكتيريا القولونيات البرازية، وهي مؤشر رئيسي آخر على تلوث المياه. تأتي هذه البكتيريا من النفايات البشرية أو الحيوانية غير المعالجة، وترتبط بتفشي أمراض منقولة بالمياه، مثل الكوليرا. على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن حالات كوليرا في السنوات الأخيرة في مناطق قريبة من أنهار مثل الليطاني، حيث يبلغ التلوث البرازي مستويات مرتفعة للغاية.

كما أشارت الدراسة أيضًا إلى تأثير التلوث الزراعي. فقد احتوت عدة أنهار (الكبير، قاديشا، كفرحلدا، الأولي، وعميق) على مستويات من النيترات تتجاوز 30 ملغم/لتر، وهو ما يفوق بكثير النطاق الآمن الذي يتراوح بين 0-10 ملغم/لتر. يمكن أن يتسرب تلوث النيترات إلى المحاصيل، مما يؤدي إلى تأخر نموها ونضجها. وعندما يستهلك الإنسان الطعام أو الماء الملوث بالنترات، قد يتسبب ذلك في مشاكل صحية مثل “متلازمة الطفل الأزرق” عند الرضع، وهي حالة لا يتمكن فيها دم الطفل من نقل الأكسجين بشكل كافٍ إلى الجسم، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان على المدى الطويل.

وتزداد الأزمة تفاقمًا بسبب التحديات البنية التحتية في لبنان. مع وجود أكثر من 1.5 مليون لاجئ يعيشون بالقرب من الأنهار، يؤدي نقص مرافق الصرف الصحي المناسبة إلى تدفق مياه الصرف الصحي غير المعالجة مباشرة إلى هذه المجاري المائية. وهذا يخلق حلقة مفرغة: الأنهار الملوثة تلوث المحاصيل، والمحاصيل الملوثة تُمرض الناس، ونظام الرعاية الصحية الضعيف يكافح للتعامل مع العبء.

لمواجهة هذه الأزمة، تدعو الدراسة إلى استثمارات فورية في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وتشديد الرقابة على النفايات الصناعية، وتحسين تعليم المزارعين حول الممارسات المستدامة. وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة، ستستمر أنهار لبنان في تلويث غذائه ومياهه، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة للأجيال القادمة.

 

المصدر:
El Chamieh, C., El Haddad, C., El Khatib, K., Jalkh, E., Al Karaki, V., Zeineddine, J., Assaf, A., Harb, T., & Sanayeh, E. B. (2024). River water pollution in Lebanon: the country’s most underestimated public health challenge. Eastern Mediterranean Health Journal30(2), 136–144. https://doi.org/10.26719/emhj.24.029